لطالما كان الجنوب جزءًا من تاريخ حافل بالتضحيات والتحديات من ثورة 14 أكتوبر المجيدة التي وضعت الأساس لتحرر الجنوب من الاستعمار البريطاني، إلى مراحل بناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال. في قلب هذا المشهد السياسي لعب الحزب الاشتراكي الجنوبي دورًا محوريًا في تلك الحقبة، لكنه كغيره من الأحزاب مر بتجارب وتحديات أفقدته بعضًا من بريقه وتأثيره على الساحة.
اليوم، ونحن في مرحلة مفصلية من تاريخ الجنوب يجب علينا أن نقيم الماضي ليس بهدف العيش فيه، بل بهدف التعلم من أخطائه وتجاوز عقباته. الحزب الاشتراكي الذي قاد الجنوب في مرحلة ما بعد الاستقلال حتى إعلان الوحدة عام 1990، واجه العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي أثرت على استمرارية دوره السياسي، لكن هل من الحكمة أن نستمر في استحضار تلك الفترة كذريعة لتعطيل المسار السياسي الحالي أو لإثارة الجدل حول مستقبل الجنوب؟
ما نشهده اليوم في الجنوب هو تحول جذري في التعاطي مع القضايا الوطنية، فالمجلس الانتقالي الجنوبي قد أثبت نفسه كلاعب رئيسي على الساحة الجنوبية، حاملاً مطالب الشعب الجنوبي وتطلعاته نحو تقرير المصير واستعادة الدولة. إن التصعيد السياسي ومحاولات الانتقاص من هذا الدور ليست سوى إعادة لتكرار أخطاء الماضي التي لن تحقق إلا مزيدًا من الانقسام.
من الضروري أن يدرك قيادات الحزب الاشتراكي وكل القوى السياسية أن الزمن لا يعود إلى الوراء، وأن الجنوب اليوم في حاجة إلى تكاتف الجهود وليس إلى استحضار صراعات الماضي.
الفجوة بين الأجيال الجديدة التي تتطلع إلى مستقبل أفضل، وبين من يعيشون في أسر الماضي أصبحت واضحة.
علينا جميعًا أن نكون على قدر المسؤولية التاريخية، وأن نعمل على تحقيق تطلعات شعبنا في الأمن والاستقرار والتنمية.
الجنوب اليوم لا يمكنه تحمل العودة إلى الصراعات السياسية التي أضعفته في الماضي. هناك قضايا حقيقية تواجه الشعب، أبرزها تحسين الخدمات، ومحاربة الفساد، وتعزيز الشراكات الدولية لتحقيق الأمن والتنمية. لذلك، فإن الخطاب السياسي الذي يعيد استحضار الماضي دون رؤية واضحة للمستقبل، لن يخدم إلا مصالح ضيقة، ولن يكون له مكان في جنوب يبحث عن الاستقرار والنهوض.
إن الوحدة الجنوبية تتطلب منا ترك خلافات الماضي والعمل على تحقيق مصلحة الشعب الجنوبي، فالتاريخ يجب أن يكون مصدرًا للتعلم وليس لتعطيل التقدم.