بداية لابد من الإشارة هنا إلى أننا نعاني كثيرًا ولأسباب مختلفة وعوامل متعددة - موضوعية وذاتية - من محدودية الثقافة السياسية المؤمنة بحق الاختلاف واعتباره عنصرًا مكملًا للحوار؛ ووسيلة مثلى لاكتشاف الآخر المختلف؛ والطريق الآمن لتقريب المسافات وردم الهوة الفاصلة بين الأطراف المتحاورة؛ ناهيك عن حضور الذاتية المفرطة عند البعض وعلى حساب المنطق والموضوعية.
كما أن البعض يتعمد لجعل اللقاءات الحوارية وندوات النقاش المختلفة؛ فرصة لتوجيه الرسائل إلى جهات وأطراف وأشخاص ليسوا من بين الحضور؛ الذي ينبغي أن يتوجه لهم الكلام بغية إقناعهم أو لعرض المواقف التي يتقدم بها هذا أو ذاك؛ بغية الوصول للتوافق على القضايا المشتركة على أقل تقدير.
بل أن هذا البعض يجعل من مثل هذه اللقاءات والندوات منصة لإيصال رسائله الخاصة الموجهة لتلك الأطراف أو الشخصيات الغائبة أصلًا عن الحضور؛ طمعًا منهم بالحصول على كسب ثقتها؛ وأملًا بنيل المنافع المرجوة منها - مادية ومعنوية - والأخطر من كل ذلك والأكثر تأثيرًا على موضوعية وضرورة النقاش الموضوعي؛ أن يتم تحديد المواقف من هذه الفكرة أو تلك انطلاقًا من تقييم الشخص الذي يتبنى هذه الأفكار والرؤى؛ وبالموقف المسبق منه؛ ومثل هذا السلوك بات معروفًا ويتكرر في حياتنا السياسية مع الأسف؛ وليس من الفكرة أو الرؤية مهما كانت صائبة وصحيحة؛ وهو ما ينعكس سلبًا على وظيفة ودور اللقاءات الحوارية وندوات النقاش المتعددة؛ ويجعلها عديمة الجدوى والفعالية؛ أو محدودة التأثير في أحسن الأحوال.
كما أن لسطحية الوعي التاريخي الشامل والملم بأحداث التاريخ وتفاصيله المختلفة؛ وعدم التعامل معها والنظر إليها في سياق الظروف الملموسة التي حصلت فيها تلك الأحداث والمحطات التاريخية؛ مما يؤثر سلبًا على الوعي المستوعب لها؛ ويجعلها في غير مكانها من التاريخ؛ وهو ما يلحق بها التشويه والتشكيك بصحتها؛ وربما يتعمد البعض ذلك بهدف النيل منها وممن كانوا من صناعها أو المشاركين فيها؛ وهي التي حصلت في ظروفها - زمانًا ومكانًا - وكانت حينها محكومة بها موضوعيًا وبعواملها المتعددة التي جعلت الذاتي تابعًا (أعمى) للموضوعي أو مقيدًا به حينًا؛ ومغايرًا وغير مقيدًا به؛ بل ومتمردًا عليه في أحيان أخرى؛ ولكل منهما أضراره وتداعياته على تراكم الوعي المعرفي الصحيح والمنصف لتاريخ تلك الأحداث والمحطات.