إذا ما أخذنا بمنطق الأمور ومعطيات وحقائق الواقع التي فرضت نفسها على الجنوب بعد يوليو من العام 94م؛ فإن قضية وموقع الجنوب وطبيعة وضعه التاريخي القائم وموقفه الوطني العام ليس في إطار السلطة القائمة؛ ولا في صف الداعمين أو في إطار المعارضة التقليدية لها أيضًا.
لأن شراكة الجنوب في إطار (دولة الوحدة) قد أسقطت عمليًا بالحرب؛ ومعها سقط مشروع الوحدة بين الدولتين؛ ونضاله اليوم موجه أساسًا لاستعادة دولته الوطنية الجنوبية؛ ولذلك فإن الجمع بين الشكل المعارض للسلطة والشراكة معها بالحكم؛ وبين الطابع الخاص والمتميز للمشروع الوطني الجنوبي؛ قد أثر وسيؤثر سلبًا على وسائل وأدوات النضال الوطني الجنوبي.
فهذا الجمع متناقض شكلًا ومضمونًا مهما كانت المبررات؛ مع تفهمنا التام للظروف وللضغوط المختلفة التي أوصلت الأمور لمثل هكذا (شراكة) هي لم تفشل فقط؛ بل وتستخدم كوسيلة للتآمر على مشروع الجنوب الوطني؛ ناهيك عن ما قامت به من إشعال للفتن وتغذيتها بين أهلنا في الجنوب وداخل الصف الوطني الجنوبي؛ عبر دسائسها التي لا تتوقف؛ وما صنعته من عذابات وآلام لشعبنا وعلى كل الأصعدة والمجالات؛ لم يعهدها الجنوب في كل تاريخه وعلى وجه أخص في عاصمتنا الجريحة والعظيمة عدن.
لقد أصبح نضال الجنوب اليوم محكومًا بطبيعة الأوضاع التي فرضتها الظروف الناشئة عن فشل الوحدة؛ وتحولها إلى نظام احتلال مكتمل الأركان والأهداف والسلوك؛ وهو ما جعل من نضال الجنوبيين أن يأخذ طابعه الوطني الخاص والمتميز؛ وبأشكال محلية إبداعية ومتنوعة ومصحوبة بعظيم التضحيات.
وقد أثبت شعبنا خلال الفترة الماضية على قدرته الفائقة بمواصلة نهجه وتمسكه بأهدافه؛ رغم كل المعوقات والمصاعب الطبيعية في هكذا ظروف هي أصلًا معقدة ومتشابكة؛ تحكم بتبعاتها حركة وخطوات نضال الجنوبيين وبما يجعلهم عرضة للتأثيرات السلبية المختلفة؛ أكانت (داخلية) أو تلك القادمة من خلف الحدود؛ ولها مع الأسف اليد العابثة الأولى والأكثر حضورًا وخطرًا في هذه المرحلة (الانتقالية)؛ وعلى حاضر ووحدة ومستقبل الجنوب كذلك.
ولهذا فإن مثل هكذا تداخل يشوش على إدراك الناس للمحتوى والوظيفة المنهاجية للمفاهيم؛ عبر الجمع غير الموفق مع الأسف بين أشكال الممارسة السياسية في نضال الجنوبيين؛ لأنه أمر لا يستقيم عمليًا؛ وله تبعاته المربكة للمهام العملية لمرحلة محددة بأهداف وطنية واضحة لشعبنا لا تحتمل الخلط والغموض؛ وهذا ما يمنح البعض مظلة آمنة للعمل والتحرك تحت أكثر من عنوان وبأكثر من اتجاه؛ وهنا بالضبط تكمن وتختبئ الاختراقات بأنواعها؛ وهي أساس ومصدر المفاجآت غير المتوقعة.
إن المسؤولية الوطنية تقتضي من كل الجهات المعنية في ساحة الفعل الوطني والسياسي الجنوبي على اتساعه وتعدد منابره؛ وفي المقدمة منها المجلس الانتقالي؛ الذي يتصدر المشهد الوطني العام والفعل السياسي الجنوبي.
فهو مدعو للقيام بما ينبغي عليه فعله دون إبطاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ بالاعتماد على إرادة شعبنا الوطنية المتحفزة لخوض معركة الخلاص من سوء الأوضاع وبكل الطرق والوسائل المشروعة؛ والانحياز للناس وتقدم صفوفهم وبكل تعبيراتهم الوطنية والاجتماعية والمهنية؛ وحمايتهم والدفاع عن مصالحهم والانتصار لقضيتهم؛ وبالشراكة مع بقية القوى والأطراف الوطنية التي تقف على نفس الأرضية وتنشد ذات الهدف.