غوارديولا يهدف لاستعادة سطوة مفقودة... لكن بهوية جديدة

بعد فقدانه لقب الدوري الإنجليزي في الموسم الماضي، يبدو مانشستر سيتي، بقيادة مدربه الإسباني جوسيب غوارديولا، عاقداً العزم على استعادة سطوة استمرت أربعة مواسم، لكن بأسلوب لعب لم نعهده سابقاً، وهو ما يمكن استخلاصه من التعاقدات التي أبرمها مع عدة لاعبين، إضافة إلى تعيين الهولندي بيب ليندرس مساعد مدرب.
في تصريح سابق له قبل نحو سبعة أشهر، قال غوارديولا: «حالياً، كرة القدم الحديثة هي الطريقة التي يؤدي بها بورنموث، ونيوكاسل، وبرايتون وليفربول. كرة القدم الحديثة ليست تلك التي تُلعب بأسلوب تموضعي. عليك رفع الإيقاع». في السنوات التي سبقت هذا التصريح، قليلاً ما عانى غوارديولا في مواجهة فرق وسط الترتيب، لكن مع تحلّي هذه الفرق بالجرأة اللازمة للضغط بقوة في أرجاء الملعب كافة، ومحاولة منعه من بناء اللعب بأريحية، ظهرت معاناة سيتي بوضوح بشكل تدريجي لا سيّما مع بطء نسق لعبه.
بالتأكيد، كان التصريح مفاجئاً بعض الشيء في ذلك الوقت، قياساً إلى أن من أطلقه يُعد عرّاب كرة القدم بأسلوب تموضعي، لكن الربط بين كلام غوارديولا وبين التعاقدات المُبرمة في فترتي الانتقالات الماضية والحالية، يوصل إلى احتمال ظهور بطل إنجلترا 10 مرات بوجه جديد وغير معهود تحت إشراف مدربه الفذ. ظهرت بعض ملامحه بالفعل في النصف الثاني من الموسم الماضي، وبدا أن الإسباني متجه لاعتماد فلسفة «كرة قدم حديثة» كما وصفها، وهو ما تؤكده بعض الإحصاءات، إضافة إلى خصائص الوافدين الجدد ومعهم ليندرس أحد أهم أفراد الجهاز الفني للمدرب الألماني يورغن كلوب في ليفربول.
الأرقام لا تكذب
تعاقد سيتي في فترة الانتقالات الشتوية الماضية مع المهاجم المصري عمر مرموش، وترافق ذلك مع انخفاض في نسبة الاستحواذ من 65.5 في المائة في موسم 2024 إلى 61.3 في المائة في موسم 2025، بينما ارتفع إجمالي عدد الهجمات المرتدة من 22 إلى 30، أي بزيادة 36 في المائة، بحسب تحقيق نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وأكثر من ذلك، اعتمد بشكل أكبر على الكرات الطويلة من حارس مرماه البرازيلي إيدرسون، وذلك بهدف تجاوز الضغط العالي للمنافسين، كما بدا ملاحظاً ازدياد المراوغات المباشرة بين الخطوط من مرموش تحديداً.
أوحت هذه المؤشرات بأن أمراً ما في فلسفة غوارديولا بصدد التغيير، وجاء التأكيد عبر إبرام صفقات مع لاعبين لديهم خصائص مشابهة للمصري، في سبيل التحوّل الكامل من اعتماد الأسلوب التموضعي إلى «كرة قدم حديثة» معتمدة على مفاهيم، مثل رفع الإيقاع والضغط العكسي والهجوم العمودي.
بعد مرموش، انضم مؤخراً ثنائي خط الوسط الهولندي تيجاني رايندرس والفرنسي ريان شرقي، القادرين بدورهما، مثل مرموش، على الانطلاق بالكرة بين الخطوط واللعب بإيقاع سريع والقيام بالمراوغات.
وفي مقارنة بينهم وبين أكثر ثلاثة لاعبي وسط هجوميين استخداماً في تشكيلة سيتي في موسم 2025، الألماني إيلكاي غوندوغان، والبلجيكي كيفن دي بروين، والكرواتي ماتيو كوفاتشيتش، سجّل مرموش (مع فرنكفورت)، ورايندرس وشرقي معدلات أعلى على صعيد الانطلاق بالكرة لمسافة لا تقل عن خمسة أمتار باتجاه مرمى المنافس، إضافة إلى محاولة المراوغة، وذلك وفقاً لإحصاءات أضافتها «بي بي سي».
على صعيد المؤشر الأول، أي الانطلاق بالكرة، كان معدل غوندوغان 2.59، ودي بروين 2.7 وكوفاتشيتش 2.3، مقابل 3.19 لرايندرس، 4.67 ولشرقي و4.53 لمرموش.
وعلى صعيد المؤشر الثاني، بلغ معدل محاولة المراوغة بالنسبة لغوندوغان 1.66، ولدي بروين 1.8 ولكوفاتشيتش 1.68، مقابل 2.04 لرايندرس، و4.27 لشرقي، و6.87 لمرموش. ليندرس... القطعة الناقصة؟
ومع الثلاثي المذكور، يشي التعاقد مع المدافع الجزائري ريان آيت - نوري من وولفرهامبتون بأن توجّه غوارديولا نحو اعتماد فلسفة جديدة بات مؤكداً. فبخلاف اللاعبين الذين أشركهم المدرب الإسباني في مركز الظهير سابقاً والمطلوب منهم بشكل أساسي العمل ضمن منظومة لعب انتُقدت كثيراً بسبب صرامتها والحدّ من هامش الابتكار لدى أفرادها، يُعد آيت - نوري من أكثر الأظهرة أصحاب النزعة الهجومية في أوروبا.
احتل الجزائري المركز الثاني في عدد المراوغات الناجحة بين المدافعين في الدوري الموسم الماضي (63)، والمركز السادس من بين الأظهرة لناحية الانطلاق بالكرة والتقدم بها إلى الأمام (89)، كما كان من بين أفضل ثلاثة مدافعين مساهمة بالأهداف (11)، بالتمريرات الحاسمة المتوقعة (5.5) وباللمسات داخل منطقة جزاء المنافس (96). بالتأكيد لن يكون غوارديولا بمفرده قادراً على قيادة التحوُّل الجديد، لذا، جاء التعاقد مع ليندرس ليكون مساعده.
فالهولندي البالغ 42 عاماً، يُنسب إليه قيادة معظم التدريبات اليومية لليفربول تحت قيادة كلوب، كما يُنسب إليه جزء كبير من التطور التكتيكي للألماني في حقبة ما بعد بوروسيا دورتموند. ومع توجه غوارديولا نحو اعتماد «كرة قدم حديثة» مثل التي واجهه بها كلوب وتفوّق عليه في كثير من الأحيان من خلالها، لا يبدو هناك أفضل من ليندرس ليكون شريكاً له في إرساء مبادئها، بهدف استعادة سطوة ستكون هذه المرة مختلفة عن سابقتها من حيث الشكل والمضمون.