لا أعني بالثقب الأسود ما هو عليه حال المجرات الكونية وعلم الفلك؛ إنما أشير إلى ثقب أسود في حياتنا قلب موازين الحياة والقيم والعادات والأخلاق في واقعنا.. إنه الاقتصاد دون ريب إذ اعتبر ابن خلدون أن الشعوب تسوء أخلاقها حين تجوع وتعاني من القهر والإذلال، هكذا يبدو العيش على سطح حياتنا التي شهدت تبدلات عاصفة أدت إلى ما هو عليه الحال.
وقد لا نشير إلى السبب الأساسي وراء كل ما يجري من سلوك عدواني وجرائم غير مسبوقة، وحالات الحدة في سلوكنا حتى أمام أتفه الأسباب؛ لا؛ بل نعيش حالة تجهم بعد أن فارقت الابتسامة وجوهنا.. لم نعد نحيا مثل سائر البشر، ولا نمارس حياة يومية طبيعية.. يستقبلنا الفراغ عند كل صباح ويلازم أيامنا التي لا نرى لها معنى سوى أننا مجبرين على البقاء تحت سياط الظلم والقهر والحاجة.
تبدلت قيمنا وتغيرت أفكارنا؛ بل فقدنا سكينة العيش بهدوء نضمر قدرًا من التباغض تجاه بعضنا وكل طرف يحمل معاناته للآخر.
يستحضر كل فريق أداوته السياسية ورموزها معتبرًا إياها وسيلة الخلاص الممكنة دون غيرها، نغدق من قدر الإساءات تجاه بعضنا ولا نمارس أدنى حصافة لفظية؛ ربما لأننا وجدنا في فضاء الإعلام المفتوح سبيلًا للإمعان في نشر كل ما يفاقم حجم مأساتنا المتعاظمة.
ربما نشير إلى السبب في هوامش الكلام أعني الثقب الأسود في وضع اقتصاد منفلت ومعيشة ضنكًا جراء تلك الأحوال الاقتصادية التي ليس فيها أدنى تحسب لمعيشة السكان بعد أن بلغت المجاعات أوجها.
فماذا بقي أن يقوله السياسيون في هذه الأثناء غير توجيه الخلط الاجتماعي والفوضى نحو مالات ربما يتوخون من ناتجها قطف ثمرة ذلك
حالة غياب الشعور بالمسؤولية هي السائدة، بمعنى أدق اتجاهات السياسيين في واد لا يتصل بمصالح العامة واحتياجاتهم مطلقًا.
مع استمرار العمل على تعميق الجراح وشق النسيج الاجتماعي دون الحسبان لنتائج ذلك، في حين يبتلع الثقب الأسود كل محاولات الإصلاح إن وجدت. فهل نستمر في البحث عن مسببات أخرى رغم أن الجميع ضحايا ذلك، فصوت العقل لا صدى له في حال مجتمع استبد به الفقر والعوز إلى درجة الإذلال.