مازالت الأوضاع في الجنوب على حالها دون تغيير؛ بل وتزداد معها معاناة الناس وبشكل تصاعدي خطير؛ ومعها أيضًا يفقد المواطن الأمل بتغيير واقع الحال إلى ما هو أفضل؛ وبما يلبي تحسين مستوى معيشته ولو بشكل نسبي وتدريجي؛ وبالتالي فإن اليأس وفقدان الأمل سيدفعان بالناس للخروج من هذه الدائرة القاتلة المضروبة حولهم؛ وسيكون الغضب هو الابن الشرعي الذي سيولد من سياسة الهروب إلى الأمام التي تتبعها الشرعية في التعامل مع قضايا الجنوب؛ وهو الذي أعطى لصفتها (شرعية) قيمة ومعنى؛ ومع ذلك مازالت تعتقد بأنها المتحكم بمصير أهله ومستقبلهم وفرض خياراتها عليه.
ولكنها كما يبدو لا تدرك خطورة أفعالها وسلوكها مع الجنوب والجنوبيين؛ ولن يطول الوقت حتى تدفع ثمن ذلك حتمًا؛ وليس أقله إجبارها للخروج من عدن والذهاب إلى مأرب أو تعز أو إلى حيث يطيب لها العيش في فنادق الرياض؛ فمهما تفننت في خلق الأعذار والمبررات عن أسباب عجزها بمعالجة هموم الناس ومعاناتهم؛ ومهما أجزلت بالوعود الفاقدة للمصداقية؛ لأن موقفها (الوحدوي) أساسًا ضد الجنوب وقضيته الوطنية؛ وهو ما يجعلها عمليًّا قريبة من حكام صنعاء وسياساتهم؛ أكثر من احترامها لحقوق وخيارات الجنوبيين وصبرهم وتضحياتهم.
لذلك فإن المجلس الانتقالي الجنوبي أمام خيارات وطنية صعبة؛ لا مفر من الأخذ بما هو الأنسب والأقل تكلفة على شعبنا؛ وبما يجنبه المزيد من الآلام والمعاناة القاتلة؛ وسيكون ذلك مبررًا تمامًا له عند اتخاذ قرارات الضرورة؛ بعد أن يلمس تعثر وعرقلة ما طرحه من مصفوفة وإجراءات إنقاذية للخروج من هذا الوضع؛ ولعل كل المؤشرات تدل على أن العراقيل والتهرب من تنفيذها قد أصبحت واضحة للجميع؛ ولم يعد من الوقت المزمّن لتنفيذ ذلك إلا القليل.
إن ما نطرحه هنا وما سبق لنا وعبرنا عنه مرارًا بهذا الشأن؛ ليس نزقًا كما قد يتصوره البعض؛ ولا تحريضًا للانتقالي ولا لغيره من قوى شعبنا الوطنية الجنوبية؛ ولا نبحث عن تعقيدات ومشكلات جديدة لشعبنا الذي يبحث عن الاستقرار العام الذي غاب عن حياته طويلًا؛ بل إقرارًا بواقع الحال وتأكيدًا للمؤكد الذي يعيشه الجنوب اليوم؛ والذي بات جاهزًا لمغادرة مأساته التاريخية الكبرى مهما كلفه ذلك من ثمن؛ ولن يكون ذلك وفي كل الأحوال أكثر أو أعظم مما قد دفعه من تضحيات عظيمة ليعانق بها يوم الخلاص؛ ويصنع مستقبله الذي يليق به ويصون حريته وكرامته الوطنية؛ بعد أن تجاهلت الأطراف المعنية بالحل والتسوية المزعومة معاناته وتضحياته وصبره العظيم الذي بلغ مداه؛ فلم يعد لديه بعد ذلك ما يخسره.