06:00 م calendar الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446 بتوقيت عدن
الرئيسية عاجل القائمة البحث

ليس السياسي الرائد من لديه عقل وحكمة ولكن من لديه أتباع.. وليس الإعلامي الرائج من لديه ثقافة ومعرفة ويحمل أمانة المهنة ولكن من لديه القدرة على الإثارة والتلاعب بالحقائق! هكذا يقال في زمن حرية الميديا أو بالأصح عشوائيتها وفوضويتها، خاصة في بلاد الله المغمورة.

ويقال أيضًا بأن الزمن الرديء لا يصنعه سوى رواد الزمن الرديء والعكس بالعكس. أما عامة الناس فإنهم في الغالب يذهبون سريعًا باتجاه ما هو سطحي ومثير وقابل للترويج. ورغم ذلك "ما يبقى في الواد غير حجارو"، كما يقول إخوتنا في الجزائر.

ثمة أطراف يختلفون في كل شيء إلا في مواجهة قضية الجنوب. والسلعة الأكثر وفرة في السوق هي الشحن المناطقي واصطياد عواطف الناس وصناعة الأزمات واعتبار أي حدث فرصة لإعادة إنتاج أوضاع ذهبت مع مَن ذهبت ريحهم وتجاوزتهم حرفيًّا أحداثٌ ومتغيرات كبرى.

كأن الأجيال جاثمة في مغارة التاريخ بانتظار الاستدعاء عند الحاجة.. حين يدق نفير الروابط المعنوية الضيقة باعتبارهم يحملون جينيًّا شيفرة الصراعات.. ولا وظيفة لهم في الحياة غير ذلك! هذا ما تتولى الميديا تأصيله وغرسه في النسيج الاجتماعي. وهناك دول وأحزاب تدعم وأخرى تجهّز أوكارًا للخلايا.

حين يقاس كل شيء بالمسطرة الجغرافية.. أو حين تؤخذ منطقة أو جماعات بسلوكيات فرد أو أفراد منها.. أو حين تنهض العصبيات وينخفض مستوى تأثير العقلاء و "يجلس الأكابر في الزوايا"، فأنت في بلد يستحيل أن تحكمه دولة. وهذا ما يراد للجنوب أن يكون بل وأن يتحول إلى موطن اليباس والفتن وضمور القيم الوطنية الجامعة. ويشتغل على هذا الهدف صف طويل من الأعداء، أحاطوا قضيته بـ عكاظيات لا تحصى، تهجوها بالخبر وبالشعر والخطابة.

الإعلام المضلل كعادته يحاول بقوة تنظيف سيوف القتلة ومدمري الأوطان والإرهاب وكل قوى الظلام بأثواب جنوبية. ولمن لا يعلم عن التضليل فإنه سلاح يضع واقعا بديلا للحقائق.. وبه يتم اختطاف الوعي. إنه أخطر ما تواجهه الشعوب الآن في قضايا السياسة والدين والحياة.

التحشيد الإعلامي من أجل نشر الفُرقة مهنة دميمة ومهارة خائبة. لكنها أكثر خطورة حين تصبح وسيلة بيد من يبتغون بها وجه ربهم الأعلى ويعتبرونها وظيفة إيمانية لتحقيق هدفهم المقدس وهو التمكين. ومثلما يبيحون القتل والتفجيرات والأحزمة الناسفة ويبررون الإرهاب فان الفتنة تصبح واحدة من الوجبات السريعة التي يوزعونها يوميًّا.

وثمة (موازون) لأولئك، يدّعون التمدّن والتحضّر والتفوق… إلخ لكن لا حديث لهم سوى حديث الشقاق ولغة التمييز والتمايز بين مناطق بلادهم. ولا يجيدون أي مهارة (وطنية) أخرى، فهذا عملهم الأساسي ومصدر انتشارهم. حتى أن (أساميهم) حين تمر لا تصاحبها أي صفة لافتة عدا أنهم صناع تلك المحتويات الملغومة وتحمل العلامة التجارية، "مفتنون". و لم يتعلموا من عِبَر التاريخ بأن: "من يزرع الريح يحصد غبارو" كما قال الجزائريون أيضًا.

وهناك (موالون) لقضية الجنوب لكنهم الأسوأ لأنهم مَن يعزز مواقف المعادين لها بأفعالهم السيئة. إنهم أفراد تحملوا مسؤولية لا يستحقونها، وحولوها إلى قوة نفوذ وخانوا الأمانة بالسلوك والجشع و(الشطحات). وهؤلاء هم حصان طروادة الحقيقيون.

ما يزال الجنوبيون يعيشون الأمل أن يطلَّ فجرهم الحقيقي ويدركون أنه لولا الصمود والتضحية لن يكون هناك وطن حر. لكنهم بحاجة ماسة إلى نموذج قيادي متحرر يشبه تطلعاتهم ويعمل بحيوية عالية للتصحيح والتخلص من الشوائب. فالوضع لا يزال عالقًا بين "كهف الشيطان" و "بنجلة السلطان" وتحت وصاية حليف لا يستطيع الدفاع عن نفسه. يرافق ذلك محاولة تكريس وضع ستاتيكي غير قابل للحركة والتغيير وتحويل الجنوب إلى ساحة صراع جيوسياسي مع إغراق فضاءاته بكم هائل من التزييف وخلط الأوراق، حتى أن البعض استسلم لهذا الزخم المضلل وانجرف آخرون مع التيار.

 

تم نسخ الرابط