اكتشاف جين ضروري لامتصاص فيتامين «دي»

حددت دراسة جديدة رائدة جيناً يلعب دوراً حيوياً في امتصاص واستقلاب فيتامين «دي»، مما يفتح آفاقاً جديدة لعلاجات مُستهدفة للسرطان وأمراض المناعة الذاتية وغيرها.
جين ضروري
وكشفت الدراسة أن الجين المعروف باسم SDR42E1 ضروري لقدرة الجسم على امتصاص فيتامين «دي» من الأمعاء وتحويله إلى شكله الهرموني النشط أي الكالسيتريول.
(الكالسيتريول) Calcitriol هو هرمون، ويعتبر الشكل النشط لفيتامين «دي»، يتم تصنيعه عادة في الكلى. ويُعد الكالسيتريول ضرورياً لتنظيم مستويات الكالسيوم والفوسفات لصحة العظام ودعم وظائف المناعة والأعصاب والتحكم في نمو الخلايا.
نتائج جديدة
وصرح الدكتور جورج نمر المؤلف للدراسة والأستاذ في جامعة حمد بن خليفة في قطر، التي أجريت بمشاركة الدكتورة نغم نافذ هندي من جامعة الشرق الأوسط في الأردن ونُشرت في مجلة Frontiers in Endocrinology في 18 يوليو (تموز)، 2025 أن النتائج أظهرت لأول مرة أن الجين SDR42E1 عامل رئيسي في كيفية معالجة الجسم لفيتامين «دي». والأهم من ذلك تشير البيانات التي حصلوا عليها إلى أنه يمكن التلاعب بهذا الجين إما لقمع نمو الخلايا الضارة أو لتعزيز فوائد فيتامين «دي» في علاج الأمراض.
اكتشاف ذو حدين
وتكمن أهمية جين SDR42E1 في قدرته المزدوجة، إذ يُمكن تثبيطه لإبطاء أو إيقاف نمو الخلايا السرطانية، أو ربما يمكن تعزيز الجين لدعم الصحة في الأمراض التي يلعب فيها فيتامين «دي» دوراً وقائياً مثل اضطرابات المناعة الذاتية والتمثيل الغذائي.
ومن خلال دراسة سابقة قادها جورج نمر ونغم نافذ هندي أيضاً ونشرت في مجلة Epigenomics في 18 يوليو (تموز) 2023 تم ربط طفرة في جين SDR42E1 بنقص فيتامين «دي»... إذ أنتجت النسخة المعيبة من الجين بروتيناً مُختصراً وغير نشط ما يُشير إلى دور رئيسي في آلية فيتامين «دي» في الجسم.
مكافحة الخلايا السرطانية
ولاختبار هذه النظرية استخدم فريق البحث في الدراسة الجديدة تقنية تحرير الجينات كرسبر- كاس 9 CRISPR/Cas9 لتعطيل النسخة النشطة من الجين SDR42E1 في خلايا سرطان القولون والمستقيم المزروعة في المختبر cells HCT116. وهي سلالة خلايا سرطان القولون البشري المستخدمة في الأبحاث العلاجية وفحوصات الأدوية التي عادةً ما تُنتج مستويات عالية من الجين. وكانت النتائج مُلفتة للنظر حيث أظهرت الخلايا السرطانية المُعدّلة انخفاضاً في معدلات البقاء على قيد الحياة بنسبة 53 في المائة. علاوة على ذلك أدى التغيير في التعبير الجيني لجين SDR42E1 إلى تغييرات في أكثر من 4 آلاف و600 جين لاحق يشارك العديد منها في مسارات السرطان واستقلاب الكوليسترول cholesterol.
وأوضحت الدكتوره نغم هندي أن الخلايا السرطانية تفقد قدرتها على العمل والنمو من دون وجود الجين. إذ يبدو أن هذا الجين هو المنظم الرئيسي للعمليات الخلوية الحيوية.
فيتامين «دي» والأمراض
لطالما عُرف فيتامين «دي» المعروف أيضاً بـ«فيتامين أشعة الشمس» بدوره في صحة العظام. ومع ذلك كشفت الأبحاث في السنوات الأخيرة عن تأثيره الأوسع على الجهاز المناعي وقوة العضلات وصحة القلب والأوعية الدموية وحتى الوقاية من الأمراض المزمنة كالسرطان وأمراض الكلى واضطرابات المناعة الذاتية كالتصلب اللويحي وداء السكري من النوع الأول.
كما أصبح لدى الباحثين الآن هدف جديد للتأثير على كيفية استخدام الجسم لهذا العنصر الغذائي المهم، وذلك بتحديد جين SDR42E1 كعامل رئيسي في استقلاب فيتامين «دي» (أي التمثيل الغذائي له). ويمكنهم الآن تصور علاجات تُثبط جين SDR42E1 في أنسجة محددة مثل الأورام لحرمانها من فيتامين «دي» ومنع نموها.
من ناحية أخرى يمكنهم تعزيز نفس الجين في المناطق التي يرغبون في زيادة إنتاج الكالسيتريول Calcitriol فيها لعلاج الأمراض أو تقوية الاستجابة المناعية.
من المختبر إلى العيادة
ويؤكد الباحثون على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث قبل طرح علاجات تستهدف الجين SDR42E1 في العيادة رغم أن النتائج كانت مثيرة للاهتمام. إذ يمكن أن يستفيد علم الأورام الدقيق بشكل كبير من هذه الرؤى ولكن يجب المضي قدماً بحذر. وأضاف الدكتور نمر بأن التلاعب باستقلاب فيتامين «دي» أمر معقد، وعليه يجب فهم الآثار طويلة المدى لتغيير هذا المسار.
ويتمثل أحد التحديات في ضمان عدم تأثير هذه العلاجات على التوازن الكلي لفيتامين «دي» في الجسم، مما قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة. وعلى سبيل المثال يمكن أن يؤدي فرط الكالسيتريول إلى ارتفاع مستويات الكالسيوم في الدم ومضاعفات ذات صلة.
مستقبل الطب الشخصي
يأتي هذا الاكتشاف في وقتٍ يكتسب فيه الطب الدقيق، أي تخصيص العلاجات بناءً على جينات الفرد وبيئته ونمط حياته، زخماً متزايداً في مختلف التخصصات الطبية. وقد يُوفر الجين SDR42E1 هدفاً جديداً فعّالاً لتصميم علاجات مُخصصة بناءً على كيفية امتصاص جسم الشخص لفيتامين «دي» ومعالجته له.
ومع المزيد من التحقق والاختبار يأمل الباحثون أن تُحسّن العلاجات القائمة على هذا الجين النتائج في رعاية مرضى السرطان وإدارة أمراض المناعة الذاتية، وربما حتى الحالات الأيضية والعصبية.
واختتم نمر قائلاً: «يمنحنا هذا الجين منظوراً جديداً ننظر من خلاله إلى دور فيتامين (دي) في الصحة والمرض. إذ إنه نقطة انطلاق واعدة للابتكار في العديد من مجالات الطب».